شرع اجتماع المسلمين فيه لتنبيههم على عظم نعمة الله عليهم، وشرعت فيه الخطبة لتذكيرهم بتلك النعمة، وحثهم على شكرها، وشرعت فيه صلاة
الجمعة في وسط النهار، ليتم الاجتماع في مسجد واحد.
وأمر الله المؤمنين بحضور ذلك الاجتماع واستماع الخطبة وإقامة تلك الصلاة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ قال ابن القيم: " كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم تعظيم هذا اليوم وتشريفه وتخصيصه بعبادات يختص بها عن غيره، وقد اختلف العلماء، هل هو أفضل أم يوم عرفة؛ على قولين، هما وجهان لأصحاب الشافعي، وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ في فجره بسورتي ( الم تنزيل )، و هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ إلى أن قال: " وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ هاتين السورتين في فجر
الجمعة لأنهما تضمنتا ما كان ويكون في يومها؛ فإنهما اشتملتا على خلق آدم، وعلى ذكر المعاد، وحشر العباد، وذلك يكون يوم الجمعة، وكان في قراءتهما في هذا اليوم تذكير للأمة بما كان فيه ويكون، والسجدة جاءت تبعا، ليست مقصودة حتى يقصد المصلي قراءتها حيث اتفقت ( يعني: من أي سورة ) ".
ومن خصائص يوم
الجمعة استحباب كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيه وفي ليلته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: أكثروا من الصلاة علي يوم
الجمعة وليلة
الجمعة رواه البيهقي.
ومن أعظم خصائص يوم
الجمعة صلاة
الجمعة التي هي من آكد فروض الإسلام ومن أعظم مجامع المسلمين، من تركها تهاونا بها، طبع الله على قلبه.
ومن خصائص يوم
الجمعة الأمر بالاغتسال فيه، وهو سنة مؤكدة، ومن العلماء من يوجبه مطلقا، ومنهم يوجبه في حق من به رائحة يحتاج إلى إزالتها.
ومن خصائص يوم
الجمعة استحباب التطيب فيه، وهو أفضل من التطيب في غيره من أيام الأسبوع.
ومن خصائص هذا اليوم؛ استحباب التبكير للذهاب إلى المسجد لصلاة الجمعة، والاشتغال بالصلاة النافلة والذكر والقراءة حتى يخرج الإمام للخطبة، ووجوب الإنصات للخطبة إذا سمعها، فإن لم ينصت للخطبة، كان لاغيا، ومن لغا، فلا جمعة له، وتحريم الكلام وقت الخطبة؛ ففي " المسند " مرفوعا: والذي يقول لصاحبه: أنصت، فلا جمعة له.
ومن خصائص يوم
الجمعة قراءة سورة الكهف في يومها؛ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم: من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة؛ سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء، يضيء به يوم القيامة، وغفر له ما بين الجمعتين رواه الحاكم والبيهقي. ومن خصائص يوم
الجمعة أن فيه ساعة الإجابة؛ ففي " الصحيحين " من حديث أبي هريرة: إن في
الجمعة لساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئا، إلا أعطاه إياه ( وقال بيده؛ يقللها ).
ومن خصائص يوم
الجمعة أن فيه الخطبة التي يقصد بها الثناء على الله وتمجيده والشهادة له بالوحدانية ولرسوله جمع بالرسالة وتذكير العباد. وخصائص هذا اليوم كثيرة، ذكرها الإمام ابن القيم في كتابه " زاد المعاد "، فأوصلها إلى ثلاث وثلاثين ومئة. ومع هذا؛ يتساهل كثير من الناس في حق هذا اليوم، فلا يكون له مزية عندهم على غيره من الأيام، والبعض الآخر يجعل هذا اليوم وقتا للكسل والنوم، والبعض يضيعه باللهو واللعب والغفلة عن ذكر الله، حتى إنه لينقص عدد المصلين في المساجد في فجر ذلك اليوم نقصا ملحوظا؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ويستحب التبكير في الذهاب إلى المسجد يوم الجمعة، فإذا دخل المسجد؛ صلى تحية المسجد ركعتين. وإن كان مبكراً فأراد أن يتنفل بزيادة صلوات؛ فلا مانع من ذلك؛ لأن السلف كانوا يبكرون ويصلون حتى يخرج الإمام.
يشترط لصحة الجمعة:
1- دخول الوقت؛ لأنها صلاة مفروضة، فاشترط لها دخول الوقت كبقية الصلوات؛ فلا تصح قبل وقتها ولا بعده، لقوله تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا وأداؤها بعد الزوال أفضل وأحوط؛ لأنه الوقت الذي كان يصليها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر أوقاته، وأداؤها قبل الزوال محل خلاف بين العلماء، وآخر وقتها آخر وقت صلاة الظهر، بلا خلاف.
2 - أن يكون المصلون مستوطنين بمساكن مبنية بما جرت العادة بالبناء به؛ فلا تصح من أهل الخيام وبيوت الشعر الذين ينتجعون في الغالب مواطن القطر وينقلون بيوتهم؛ فقد كانت قبائل العرب حول المدينة، ولم يأمرهم النبي -179- صلى الله عليه وسلم بصلاة الجمعة.
ومن أدرك مع الإمام من صلاة
الجمعة ركعة؛ أتمها جمعة؛ لحديث أبي هريرة مرفوعا: من أدرك ركعة من الجمعة، فقد أدرك الصلاة رواه البيهقي، وأصله في " الصحيحين ".
وإن أدرك أقل من ركعة، بأن رفع الإمام رأسه من الركعة الثانية قبل دخوله معه؛ فاتته صلاة الجمعة، فيدخل معه بنية الظهر، فإذا سلم الإمام، أتمها ظهرا.
3 - ويشترط لصحة صلاة
الجمعة تقدم خطبتين؛ لمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليهما، وقال ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين وهو قائم، يفصل بينهما بجلوس متفق عليه.
ومن شروط صحتهما: حمد الله، والشهادتان، والصلاة على رسوله، والوصية بتقوى الله، والموعظة، وقراءة شيء من القرآن، ولو آية؛
ومن سنن خطبتي
الجمعة أن يجلس بينهما، لحديث ابن عمر: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبتين وهو قائم، يفصل بينهما بجلوس متفق عليه.
ومن سننهما أن يخطب قائما؛ لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم، ولقوله تعالى: وَتَرَكُوكَ قَائِمًا وعمل المسلمين عليه.
ويسن أن يعتمد على عصا ونحوه.
ويسن أن يقصد تلقاء وجهه؛ لفعله صلى الله عليه وسلم، ولأن التفاته إلى أحد جانبيه إعراض عن الآخر ومخالفة للسنة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقصد تلقاء وجهه في الخطبة، ويستقبله الحاضرون بوجوههم؛ لقول ابن مسعود رضي الله عنه: كان إذا استوى على المنبر؛ استقبلناه بوجوهنا رواه الترمذي.
ويسن أن يقصر الخطبة تقصيرا معتدلا، بحيث لا يملوا وتنفر نفوسهم، ولا يقصرها تقصيرا مخلا، فلا يستفيدون منها، فقد روى الإمام مسلم عن عمار مرفوعا: إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه؛ فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة ومعنى قوله: " مئنة من فقهه "؛ أي: علامة على فقهه.
ويسن أن يرفع صوته بها؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب؛ علا صوته، واشتد غضبه، ولأن ذلك أوقع في النفوس، وأبلغ في الوعظ، وأن يلقيها بعبارات واضحة قوية مؤثرة وبعبارات جزلة.
ويسن أن يدعو للمسلمين بما فيه صلاح دينهم ودنياهم، ويدعو لإمام المسلمين وولاة أمورهم بالصلاح والتوفيق، وكان الدعاء لولاة الأمور في الخطبة معروفا عند المسلمين، وعليه عملهم؛ لأن الدعاء لولاة أمور المسلمين بالتوفيق والصلاح من منهج أهل السنة والجماعة، وتركه من منهج المبتدعة، قال الإمام أحمد: " لو كان لنا دعوة مستجابة؛ لدعونا بها للسلطان "، ولأن في صلاحه صلاح المسلمين.
وقد تركت هذه السنة حتى صار الناس يستغربون الدعاء لولاة الأمور، ويسيئون الظن بمن يفعله.
ويسن إذا فرغ من الخطبتين أن تقام الصلاة مباشرة، وأن يشرع في الصلاة من غير فصل طويل.
وصلاة
الجمعة ركعتان بالإجماع، يجهر فيهما بالقراءة، ويسن أن يقرأ في الركعة الأولى منهما بسورة
الجمعة بعد الفاتحة، ويقرأ في الركعة الثانية بعد الفاتحة بسورة المنافقين؛ لأنه عليه الصلاة والسلام كان يقرأ بهما؛ كما رواه مسلم عن ابن عباس، أو يقرأ في الأولى ب سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وفي الثانية بـ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ أحيانا بالجمعة والمنافقين، وأحيانا ب ( سبح ) والغاشية، ولا يقسم سورة واحدة من هذه السور بين الركعتين، لأن ذلك خلاف السنة.
والحكمة في الجهر بالقراءة في صلاة
الجمعة كون ذلك أبلغ في تحصيل المقصود.
من كتاب الملخص الفقهي